أربعون عاماً.. والقضية لاتزال عالقة!
عبدالرحمن علي البنفلاح
يبدو، والله أعلم، أن دور العرب شعوبا وأنظمة اقتصر بالنسبة الى قضية
فلسطين على عد السنوات التي مرت على هزيمة يونية عام 1967م، وكلنا يجيد
العد والحساب، ومن لا يجيد ذلك يسأل أهل الذكر، ولكن من منا يجيد أو حتى
يعرف كيفية الاستفادة من الدروس الكثيرة التي تقدمها الهزيمة؟ من منا يبذل
ولو جهدا يسيرا في البحث عن أسباب الهزيمة ومقدماتها وهل كان بالإمكان
تجنبها أم كان الوقوع فيها أمرا ضمنيا لا نستطيع النجاة منه؟
من منا ــ أنظمة وشعوبا ــ يعود باللائمة على نفسه، ويتهمها بالتقصير؟ من
منا يحاول ولو مرة واحدة أن يقف ليحاسب نفسه على ما حدث لهذه الأرض
الغالية التي ملكها الله تعالى للمسلمين بموجب سورة الإسراء وهي وثيقة
إلهية محكمة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، بل ان الزيارة
المباركة التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدث الإسراء
والمعراج عندما كانت القدس وبيت المقدس محطتين لهذه الزيارة المباركة،
المحطة الأولى أرضية حين زارها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قادما من
مكة المكرمة بيت الله الحرام التي سوف تكون بعد ذلك قبلة المسلمين العظمى،
ثم كانت القدس محطته السماوية حين انطلق منها في السموات العلا. ثم عاد
إليها من السماء، ثم انطلق منها الى مكة المكرمة، هذا التكرار في الذهاب
والإياب، وفي الأرض والسماء، يؤكد بما لا يدع مجالا لأدنى شك على أن ملكية
فلسطين بكاملها للمسلمين، وبمكانتها بين المدن الإسلامية العظيمة مكة
المكرمة والمدينة المنورة، بل كان بيت المقدس هو القبلة الأولى للمسلمين
قبل أن يتحولوا بأمر من الله تعالى الى قبلتهم في مكة المكرمة.
هذا التشابك بين المدن الإسلامية الثلاث: مكة والمدينة وبيت المقدس يلقي
على المسلمين مسئولية عظمى في الحفاظ عليها مجتمعة وألا يفرط في واحدة
منها. فمكة والمدينة وبيت المقدس شقيقات ثلاث لا يمكن التفريط في واحدة
منهما أبدا وتتساوى مسئولية الحفاظ عليها جميعا.
أربعون عاما مرت على المسلمين وبيت المقدس بعيد عن شقيقتيه مكة والمدينة.
أربعون عاما والقدس تصرخ واإسلاماه ولا من مجيب.. أربعون عاما ومسرى
ومعراج رسول الله صلى الله عليه وسلم يهيب بالمسلمين ان يؤدوا فريضة
الجهاد وهي الفريضة المنسية التي نساها المسلمون أو كادوا ان ينسوها.
لن يهنأ للمسلمين عيش وفلسطين الجريحة تتلوى من الألم وتشكو الى ربها
انصراف المسلمين عنها وعن مأساتها. لن تنعم دولة العصابات الصهيونية
الخارجة على كل القوانين الإلهية والبشرية، لن تنعم هذه الدولة بالأمن
والأمان، وكلما اقتطعت جزءا من الأرض، كلما بنت مستوطنة من المستوطنات،
وكلما وضعت عقبة، أو أقامت حائطا، ومدت أسلاكا شائكة كلما ملأ الخوف
والفزع قلبها.
كيف يعيش الإنسان آمنا على أسرته ومعافى في بدنه وهو يعيش على أرض مغصوبة،
ويسكن في بيت مسروق لا يملك شيئا منه، لا يملك الجدران، ولا النوافذ، ولا
الأبواب ولا الغرف. إنسان يعيش وسط جيران يكرهونه لا لشخصه ولكن لأفعاله
ولجرائمه، إنه لص معتد سرق الأرض، وهتك العرض، وسلب المال، وسفك الدماء..
كيف يهنأ له بال. أو تطمئن له نفس وهو يخوض في بحر بل بحار من الكراهية،
ويا ليت هذه الكراهية تقف عند حد أو هي بسبيل التناقص، بل هي في ازدياد
دائم، وفي تنام مستمر.
القضية لاتزال عالقة.. عالقة بالنسبة للمسلمين الذين لم يحافظوا على
أرضهم، ولم يفوا بما كلفوا به وهو الحفاظ على فلسطين، فإنهم يقرأون سورة
الإسراء في صلاتهم وفي تلاوتهم للقرآن وكأنهم يقرأون عن أرض غريبة عليهم،
لم يمش فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتخذها محطة لرحلته
الأرضية، ومنطلقا لرحلته السماوية..
والقضية عالقة بالنسبة للصهيونيين الذين ظنوا أنهم بعد احتلالهم واغتصابهم
الأرض قد حققوا الأهداف التي يسعون إليها، وخططوا سنوات طويلة لنيلها،
وفاتهم أن احتلال الأرض لا يعني تحقق الأهداف، فالأرض ان لم تحقق الأمن
والأمان لا خير فيها، بل هي شر مستطير اذا كان كل يوم يسيل عليها الدم،
وتتناثر عليها الأشلاء، ويترصد الموت في كل طريق، وفي كل زقاق، يترصد
للجميع، يترصد المحتل الذي اغتصب الأرض، ويترصد الذي وقع عليه الاحتلال.
لم يتحقق الأمن الذي كان ينشده الصهاينة باحتلالهم فلسطين، وكانوا يظنون
ان الحائل بينهم وبين العيشة الهنية، والاطمئنان النفسي هو حصولهم على
الأرض التي يقيمون عليها دولتهم، ولكنهم لم يسألوا أنفسهم: كيف الحصول على
الأرض؟ هل بالطرق المشروعة التي تقرها الشرائع السماوية والقوانين
الإنسانية أم بالنهب والسلب والاعتداء؟ هل سألوا أنفسهم أن الأرض التي
يريدون إقامة دولتهم عليها، هل هي أرض بلا شعب، وهم شعب بلا أرض فتصح
المعادلة، وتتحقق النتيجة التي يريدون، بل ان شقاء اليهود في فلسطين بدأ
حين احتلوا الأرض واغتصبوها من أصحابها الشرعيين، حتى ان أحد رجال الدين
اليهود قال: إننا نعترض على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين لأنه بداية
النهاية، كما جاء في كتبنا المقدسة.
القضية عالقة، وستظل عالقة حتى يعود الحق الى أصحابه، لن يتحقق ذلك إلا
اذا استيقظ المسلمون من رقادهم الذي طال، وخطت الأنظمة تجاه شعوبهم لتضيق
الفجوة التي صنعوها بأيديهم وبدعم من الاستعمار العالمي الذي وجد ان
مصالحه وأهدافه في أرض الاسلام لن تتحقق بدون دعم من الأنظمة الحاكمة،
وحتى يتحقق ذلك لابد من إحداث فجوة بين الأنظمة الحاكمة والشعوب، واستثمار
سوء الظن في الشعوب من قبل الحكام لتحقيق هذه الغاية، والوصول الى ذلك
الهدف. القضية عالقة بالنسبة للجميع، بالنسبة للمغتصب، والمغتصب منه،
وبالنسبة للأنظمة والشعوب بل ان القضية عالقة بالنسبة للنظام العالمي الذي
يقف مع الظالم ضد المظلوم، ويدعم ويساند المغتصب ويفرط في حقوق أهل الأرض
الشرعيين.
ستظل القضية عالقة، وتسبب الصداع المزمن لجميع الأطراف مادام الحق غائبا،
والباطل متربعا على كرسي الحكم، ضاربا عرض الحائط بالقرارات التي تفلت من
هيمنة القوى الاستعمارية المعادية. ولأن القضية عالقة، فالسلام والأمن
الدوليان سوف يظلان عالقين أيضا، بل ان الرخاء والتنمية اللذان لا يتحققان
إلا في جو من الأمن والأمان، وسوف تهدر الأموال في شراء الأسلحة، وإيقاد
نيران الحروب. وكلما خبت نار الفتنة أشعلها تجار الحروب الذين لا يطيب لهم
العيش إلا في دخان المدافع، وتفجيرات القنابل، إنهم تجار الموت، وصانعو
الفتنة، ومروجو الكراهية والبغضاء. وتبقى القضية عالقة الى ما شاء الله
تعالى.
* صحيفة أخبار الخليج البحرينية
عبدالرحمن علي البنفلاح
يبدو، والله أعلم، أن دور العرب شعوبا وأنظمة اقتصر بالنسبة الى قضية
فلسطين على عد السنوات التي مرت على هزيمة يونية عام 1967م، وكلنا يجيد
العد والحساب، ومن لا يجيد ذلك يسأل أهل الذكر، ولكن من منا يجيد أو حتى
يعرف كيفية الاستفادة من الدروس الكثيرة التي تقدمها الهزيمة؟ من منا يبذل
ولو جهدا يسيرا في البحث عن أسباب الهزيمة ومقدماتها وهل كان بالإمكان
تجنبها أم كان الوقوع فيها أمرا ضمنيا لا نستطيع النجاة منه؟
من منا ــ أنظمة وشعوبا ــ يعود باللائمة على نفسه، ويتهمها بالتقصير؟ من
منا يحاول ولو مرة واحدة أن يقف ليحاسب نفسه على ما حدث لهذه الأرض
الغالية التي ملكها الله تعالى للمسلمين بموجب سورة الإسراء وهي وثيقة
إلهية محكمة لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، بل ان الزيارة
المباركة التي قام بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حدث الإسراء
والمعراج عندما كانت القدس وبيت المقدس محطتين لهذه الزيارة المباركة،
المحطة الأولى أرضية حين زارها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قادما من
مكة المكرمة بيت الله الحرام التي سوف تكون بعد ذلك قبلة المسلمين العظمى،
ثم كانت القدس محطته السماوية حين انطلق منها في السموات العلا. ثم عاد
إليها من السماء، ثم انطلق منها الى مكة المكرمة، هذا التكرار في الذهاب
والإياب، وفي الأرض والسماء، يؤكد بما لا يدع مجالا لأدنى شك على أن ملكية
فلسطين بكاملها للمسلمين، وبمكانتها بين المدن الإسلامية العظيمة مكة
المكرمة والمدينة المنورة، بل كان بيت المقدس هو القبلة الأولى للمسلمين
قبل أن يتحولوا بأمر من الله تعالى الى قبلتهم في مكة المكرمة.
هذا التشابك بين المدن الإسلامية الثلاث: مكة والمدينة وبيت المقدس يلقي
على المسلمين مسئولية عظمى في الحفاظ عليها مجتمعة وألا يفرط في واحدة
منها. فمكة والمدينة وبيت المقدس شقيقات ثلاث لا يمكن التفريط في واحدة
منهما أبدا وتتساوى مسئولية الحفاظ عليها جميعا.
أربعون عاما مرت على المسلمين وبيت المقدس بعيد عن شقيقتيه مكة والمدينة.
أربعون عاما والقدس تصرخ واإسلاماه ولا من مجيب.. أربعون عاما ومسرى
ومعراج رسول الله صلى الله عليه وسلم يهيب بالمسلمين ان يؤدوا فريضة
الجهاد وهي الفريضة المنسية التي نساها المسلمون أو كادوا ان ينسوها.
لن يهنأ للمسلمين عيش وفلسطين الجريحة تتلوى من الألم وتشكو الى ربها
انصراف المسلمين عنها وعن مأساتها. لن تنعم دولة العصابات الصهيونية
الخارجة على كل القوانين الإلهية والبشرية، لن تنعم هذه الدولة بالأمن
والأمان، وكلما اقتطعت جزءا من الأرض، كلما بنت مستوطنة من المستوطنات،
وكلما وضعت عقبة، أو أقامت حائطا، ومدت أسلاكا شائكة كلما ملأ الخوف
والفزع قلبها.
كيف يعيش الإنسان آمنا على أسرته ومعافى في بدنه وهو يعيش على أرض مغصوبة،
ويسكن في بيت مسروق لا يملك شيئا منه، لا يملك الجدران، ولا النوافذ، ولا
الأبواب ولا الغرف. إنسان يعيش وسط جيران يكرهونه لا لشخصه ولكن لأفعاله
ولجرائمه، إنه لص معتد سرق الأرض، وهتك العرض، وسلب المال، وسفك الدماء..
كيف يهنأ له بال. أو تطمئن له نفس وهو يخوض في بحر بل بحار من الكراهية،
ويا ليت هذه الكراهية تقف عند حد أو هي بسبيل التناقص، بل هي في ازدياد
دائم، وفي تنام مستمر.
القضية لاتزال عالقة.. عالقة بالنسبة للمسلمين الذين لم يحافظوا على
أرضهم، ولم يفوا بما كلفوا به وهو الحفاظ على فلسطين، فإنهم يقرأون سورة
الإسراء في صلاتهم وفي تلاوتهم للقرآن وكأنهم يقرأون عن أرض غريبة عليهم،
لم يمش فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يتخذها محطة لرحلته
الأرضية، ومنطلقا لرحلته السماوية..
والقضية عالقة بالنسبة للصهيونيين الذين ظنوا أنهم بعد احتلالهم واغتصابهم
الأرض قد حققوا الأهداف التي يسعون إليها، وخططوا سنوات طويلة لنيلها،
وفاتهم أن احتلال الأرض لا يعني تحقق الأهداف، فالأرض ان لم تحقق الأمن
والأمان لا خير فيها، بل هي شر مستطير اذا كان كل يوم يسيل عليها الدم،
وتتناثر عليها الأشلاء، ويترصد الموت في كل طريق، وفي كل زقاق، يترصد
للجميع، يترصد المحتل الذي اغتصب الأرض، ويترصد الذي وقع عليه الاحتلال.
لم يتحقق الأمن الذي كان ينشده الصهاينة باحتلالهم فلسطين، وكانوا يظنون
ان الحائل بينهم وبين العيشة الهنية، والاطمئنان النفسي هو حصولهم على
الأرض التي يقيمون عليها دولتهم، ولكنهم لم يسألوا أنفسهم: كيف الحصول على
الأرض؟ هل بالطرق المشروعة التي تقرها الشرائع السماوية والقوانين
الإنسانية أم بالنهب والسلب والاعتداء؟ هل سألوا أنفسهم أن الأرض التي
يريدون إقامة دولتهم عليها، هل هي أرض بلا شعب، وهم شعب بلا أرض فتصح
المعادلة، وتتحقق النتيجة التي يريدون، بل ان شقاء اليهود في فلسطين بدأ
حين احتلوا الأرض واغتصبوها من أصحابها الشرعيين، حتى ان أحد رجال الدين
اليهود قال: إننا نعترض على إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين لأنه بداية
النهاية، كما جاء في كتبنا المقدسة.
القضية عالقة، وستظل عالقة حتى يعود الحق الى أصحابه، لن يتحقق ذلك إلا
اذا استيقظ المسلمون من رقادهم الذي طال، وخطت الأنظمة تجاه شعوبهم لتضيق
الفجوة التي صنعوها بأيديهم وبدعم من الاستعمار العالمي الذي وجد ان
مصالحه وأهدافه في أرض الاسلام لن تتحقق بدون دعم من الأنظمة الحاكمة،
وحتى يتحقق ذلك لابد من إحداث فجوة بين الأنظمة الحاكمة والشعوب، واستثمار
سوء الظن في الشعوب من قبل الحكام لتحقيق هذه الغاية، والوصول الى ذلك
الهدف. القضية عالقة بالنسبة للجميع، بالنسبة للمغتصب، والمغتصب منه،
وبالنسبة للأنظمة والشعوب بل ان القضية عالقة بالنسبة للنظام العالمي الذي
يقف مع الظالم ضد المظلوم، ويدعم ويساند المغتصب ويفرط في حقوق أهل الأرض
الشرعيين.
ستظل القضية عالقة، وتسبب الصداع المزمن لجميع الأطراف مادام الحق غائبا،
والباطل متربعا على كرسي الحكم، ضاربا عرض الحائط بالقرارات التي تفلت من
هيمنة القوى الاستعمارية المعادية. ولأن القضية عالقة، فالسلام والأمن
الدوليان سوف يظلان عالقين أيضا، بل ان الرخاء والتنمية اللذان لا يتحققان
إلا في جو من الأمن والأمان، وسوف تهدر الأموال في شراء الأسلحة، وإيقاد
نيران الحروب. وكلما خبت نار الفتنة أشعلها تجار الحروب الذين لا يطيب لهم
العيش إلا في دخان المدافع، وتفجيرات القنابل، إنهم تجار الموت، وصانعو
الفتنة، ومروجو الكراهية والبغضاء. وتبقى القضية عالقة الى ما شاء الله
تعالى.
* صحيفة أخبار الخليج البحرينية