أولاً كل عام و أنتم بخير
قال صلى الله عليه وسلم : للصائم فرحتان
: فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه :
أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة
على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح
فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ، ثم أبيح لها في وقت آخر ،
فرحت بإباحة ما منعت منه ، خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه
فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً ، فإن كان ذلك محبوباً لله كان محبوباً شرعاً .
والصائم عند فطره كذلك ، فكما أن الله تعالى
حرم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات
فقد أذن له فيها في ليل الصيام
بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره
فأحب عباده إليه أعجلهم فطراً ، والله وملائكته يصلون على المتسحرين .
فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقرباً إليه وطاعة له
وبادر إليها في الليل تقرباً إلى الله وطاعة له ، فما تركها إلا بأمر ربه
ولا عاد إليها إلا بأمر ربه ، فهو مطيع له في الحالين
ولهذا نُهي عن الوصال في الصيام فإذا بادر الصائم إلى الفطر تقرباً إلى مولاه
وأكل وشرب وحمد الله ؛ فإنه يُرجى له المغفرة أو بلوغ الرضوان بذلك
وربما استجيب دعاؤه عند ذلك كما جاء في الحديث
: « إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد » وإن نوى بأكله وشربه تقوية بدنه
على القيام والصيام كان مثاباً على ذلك .
كما أنه إذا نوى بنومه في الليل والنهار التقوي على العمل كان نومه عبادة
فالصائم في ليله ونهاره في عبادة
ويستجاب دعاؤه في صيامه وعند فطره
فهو في نهاره صائم صابر ، وفي ليله طاعم شاكر .
ومن فهم هذا الذي أشرنا إليه لم يتوقف في معنى فرح الصائم عند فطره
فإن فطره على الوجه المشار إليه من فضل الله ورحمته
فيدخل في قوله تعالى : « قل بفضل الله وبرحمته فبذلك
فليفرحوا هو خير مما يجمعون » « يونس : 58» .
ولكن شرط ذلك أن يكون فطره على حلال
فإن كان فطره على حرام كان ممن صام عما أحل الله
وأفطر على ما حرم الله ، ولم يستجب له دعاء
كما قال النبي صلى الله عليه وسلّمفي الذي يطيل السفر :
« يمد يديه إلى السماء : يارب ، يارب ، ومطعمه حرام ،
ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام
فأنّى يستجاب لذلك » « رواه مسلم » .
وأما فرحه عند لقاء ربه فبما يجده عند الله من ثواب الصيام مدخراً
فيجده أحوج ما كان إليه ، كما قال تعالى : « وما تقدموا لأنفسكم
من خير تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجرا » « المزمل : 20 » .
قال سفيان بن عيينة : إن ثواب الصائم لا يأخذه الغرماء في المظالم
بل يدخره الله عنده للصائم حتى يدخله به الجنة
فالأيام خزائن للناس ممتلئة بما خزنوه فيها من خير وشر
وفي يوم القيامة تفتح هذه الخزائن لأهلها
فالمتقون يجدون في خزائنهم العز والكرامة
والمذنبون يجدون في خزائنهم الحسرة والندامة