فوائد تربوية للصيام
عقيل بن سالم الشمري
أن تجلس إلى
رمضان، وتتأمل أسراره وأحكامه أمرٌ محفز ومعين على الوصول لها، فكما أن
المريض محتاج إلى معرفة علته ليعرف شفاءها، فالصحيح محتاج إلى معرفة شفائه
ليحافظ على صحته.
هذه
وقفات تربوية من أسرار الصيام،استنباطاً لحكمه، ووقوفاً مع درره، فمن تأمل
الصيام وأن الله جعله الركن الرابع من أركان الملة، وشرعه على جميع الأمم
ولم يخصنا به ولا أهل الكتاب من قبلنا كما هو الشأن في بعض الأحكام، فدل
ذلك على أن به من الفوائد التي تعود على الإيمان والحياة ما يستحق النظر
والتأمل.
الفائدة الأولى:
الصيام
وسيلة لحصول التقوى لقوله تعالى (لعلكم تتقون ) فمن صام الصيام الشرعي
وحفظ جوارحه من خدش الصيام، وأدرك معاني الصوم فقد عاش التقوى وتحققت له،
فالتقوى بمعناها العام أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، ولا يكون هذا
إلاّ باتباع أوامره واجتناب نواهيه، والمسلم الصائم متبع لأمر الله له
بالصوم ومجتنب لنهي الله له عن المفطرات بأنواعها، فإذا كان ذلك بنية
صالحة وعلى منهاج النبوة أفلح بتقواه لله.
الفائدة الثانية:
في رمضان بيان لرحمة الله سبحانه، ويتضح هذا من وجوه:
أ ـ جعل الله الصيام أياماً معدودة، ولم يفرضه سرمدياً أبدياً.
ب- جعله جزءاً من يوم ولم يفرضه يوماً كاملاً ليله بنهاره، بل ثبت النهي عن مواصلة الصوم.
ج- من نسي فأكل أو شرب فصومه صحيح مع أنه ناقض معنى الصيام.
د- تخفيفه الصيام على مراحل في بداية التشريع مراعاة لحال الصحابة رضي الله عنهم.
الفائدة الثالثة:
في رمضان يتجلى كرم المولى سبحانه وتعالى، ويتضح ذلك بأمور:
أ- فيه تُفتح أبواب الجنة.
ب- فيه تُغلق أبواب النار.
ج- فيه تُصفّد مردة الجن.
د- اختصاص الله بأجر الصائم في قوله صلى الله عليه وسلم: "إلاّ الصيام فإنه لي وأنا أجزي به".
هـ- "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه".
ح- "رمضان إلى رمضان كفارة لما بينهما إذا اجتُنبت الكبائر".
و- "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه".
ط- لا ينقص أجره ولو نقص الشهر لقوله صلى الله عليه وسلم "شهرا عيد لا ينقصان رمضان وذو الحجة ...".
ز- "من قام رمضان مع الإمام حتى ينصرف كُتب له أجر قيام ليلة".
وكل ما مضى ثابت في الأحاديث الصحيحة.
الفائدة الرابعة:
رمضان
مدرسة للاختبار،حيث يمسك الصائم عن الأكل والشرب والشهوة، وهذا اختبار من
الله للعبد بصبره وبعبادته وتركه ما نهاه الله عنه لوجهه سبحانه، وتحمله
الأوامر وقيامه بها، فرمضان اختبار للإيمان وللنية وللصبر، وبمعنى أعم
اختبار لحقيقة إسلامه واستسلامه لله؛ لأن الحياة بالنسبة للمؤمن كلها
اختبار، ولحظاتها مجاهدة بين نفسه الأمارة بالسوء وواعظ الله في قلب كل
مؤمن، فمن وطّن نفسه على اختبار الصيام، وأدرك أسراره، وذاق لذة النجاح
فيه عرف نتيجة الاختبار في باقي شؤون الحياة.
الفائدة الخامسة:
رمضان
يورث محبة الله في قلب المؤمن، فإنه إذا رأى كرم ربه وجزيل عطاياه في
رمضان، زادت محبته سبحانه، والمحبة ركن في الإيمان وهي أساس الأعمال،
فيقبل المؤمن على العمل محباً له متمسكاً به متقناً لأدائه، ففي رمضان
يتكرم المولى بالمغفرة لمن صام ولمن قام وفطر صائماً، والحسنة تُضاعف فيه
ما لا تتضاعف في غيره، واختص الله بأجر الصائم دون غيره، وما ذاك إلاّ محض
فضل منه سبحانه وتعالى.
الفائدة السادسة:
مجرد
معرفة أن الصوم كتب على الأمم من قبلنا فهذا دليل على آثاره العظيمة
وفوائده على الإيمان والإنسان والمجتمع، ويدل على ذلك أن الله لم يفرضه
علينا وعلى أهل الكتاب من قبلنا فقط بل قال: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) ليشمل جميع
الأمم، وشيء بديهي أن أمراً يُفرض على تلك الأعداد الهائلة من الأمم فيه
من الأسرار والحكم والفوائد ما يستحق ذلك التعظيم والوقوف.
الفائدة السابعة:
رمضان تربية للجود بجميع أنواعه:
أ ـ جود المال: ففيه الحث على الصدقة وتفطير الصائمين والإنفاق وتعهد الأرامل والمحتاجين.
ب ـ جود الوقت: ففيه نفع المسلمين والمشي في حاجاتهم والقيام على شؤونهم.
ج- جود الذات: ففيه بذل الجاه عند الأغنياء وأصحاب اليسر ابتغاء الأجر من الله.
د-
الجود ببذل الأعمال الصالحة: فيفعل الصالحات، وينوع العبادة ما بين فرض
ونفل وصلاة، وصدقة وقرآن وتفطير، وإمامة وأذان وقيام على حاجات الناس،
وإنفاق وكلمة وخطبة وهكذا.
ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان، أجود بالخير من الريح المرسلة، كما ثبت في الحديث الصحيح.
الفائدة الثامنة:
رمضان
يربي الناس على تجديد النية والاحتساب، ويُؤخذ هذا من قوله صلى الله عليه
وسلم: " من صام رمضان إيماناً واحتساباً " فجاء رمضان يؤكد قضية النية
وتجديدها في الصيام وفي السحور وفي الإفطار، فيتربى المسلم على تجديد
النية في الأمور الإيمانية والعبادات بل حتى في الأمور العادية من أكل
وشرب، ولا يخفى أثر النية على الأجر المترتب على العمل وعلى النفع به في
الدنيا.
الفائدة التاسعة:
في رمضان ربط للناس بكتاب ربهم سبحانه، وهذا من وجوه:
1 ـ أن القرآن نزل في رمضان.
2 ـ أن جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كاملاً في رمضان.
3 ـ في السنة التي توفي فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- دارسه جبريل عليه السلام مرتين.
4 ـ قيام رمضان يُتلى فيه القرآن، والسلف رحمهم الله كانوا يختمون في القيام.
فتزداد صلة المسلم بكلام ربه قراءة وسماعاً وتأملاً وتدبراً، فيزداد لذلك إيماناً وتقى وصلاحاً.
الفائدة العاشرة:
رمضان
يربي الناس على تدارس القرآن وتدبره، وهو معنى أخص من مجرد قراءته، فيعيش
المسلم بين آيات القرآن وقصصه ووعده ووعيده، فتدمع عينه تارة ويلين قلبه
تارة أخرى، يرى الأمم الماضية حاضرة عنده، ويعيش مع الأنبياء صبرهم ونصحهم
وابتلاءهم، ويستنبط الأحكام ويستفيد الفوائد، ولذلك كان جبريل يدارس النبي
-صلى الله عليه وسلم- القرآن في رمضان كل ليلة".
الفائدة الحادية عشرة:
في
أحاديث رمضان من السنة النبوية تأصيل لمنهج أهل السنة والجماعة في
الإيمان، وأن الأعمال من الإيمان فقد قال صلى الله عليه وسلم: " من قام
رمضان إيماناً واحتساباً" فيحرص المسلم على الأعمال؛ لأنها ركن من أركان
الإيمان.
الفائدة الثانية عشرة:
فيه
عظم أثر الإخلاص، فمن قام رمضان إيماناً واحتساباً، وصام رمضان إيماناً
واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه، فما أعظم أثر الإخلاص على الإنسان حيث
يبلغ بعمله -وإن كان قليلاً- المنازل العليا.
الفائدة الثالثة عشر:
في
رمضان حث للناس وزرع لروح المسابقة في الخيرات وميادينها؛ ففي رمضان تفتح
مجالات الخيرات، وميادين المشاريع الإيمانية، وتكثر أبواب الخير، فيبقى
على الناس التنافس والمسابقة تطبيقاً لقوله تعالى: ( وَسَارِعُواْ إِلَى
مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ). [آل عمران:133].
فأهل
الغنى بأموالهم، وأهل العلم بتعليمهم وفتاواهم، وسائر الناس بعباداتهم
وختمهم لكلام ربهم وقيامهم وصلاتهم، حتى على مستوى الأسرة يتنافس الأفراد
فيما بينهم على التسابق على ختم القرآن كما هو ظاهر في أكثر البيوت ولله
الحمد، ومن حكمة الله أن جعل شعب الإيمان متعددة حتى تناسب الفروق الفردية
بين الناس.
وليست
ميادين الأعمال الصالحة وتعددها خاصة في رمضان بل الحياة الدنيا كلها مجال
للتنافس والتسابق في الخيرات، لكنها في رمضان بشكل مكثف وظاهر.
الفائدة الرابعة عشر:
في
العمل الواحد في رمضان يختلف الناس ففي قوله صلى الله عليه وسلم "من قام
رمضان إيماناً واحتساباً"، ومعلوم أن الإيمان يختلف زيادة ونقصاً في قلوب
الناس، وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف في أعمال القلوب وقوتها وضعفها،
فكلما كان القلب أمكن في الأعمال القلبية علت مرتبة صيامه وقيامه.
وتعليق الأجر بالإيمان والنية يجعل الشخص يحرص أشد الحرص على كمال الإيمان والنية في قلبه حتى يعظم له الأجر.
الفائدة الخامسة عشرة:
في رمضان تجتمع أركان الإيمان الثلاثة:
أ ـ قول القلب: وهو التصديق به والإيمان الإجمالي بالصيام، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث "من صام رمضان إيماناً".
ب ـ عمل القلب: وهو الاحتساب المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم "احتساباً".
ج- عمل الجوارح: ويكون ذلك بصيام الجوارح عن المفطرات الحسية والمعنوية.
ولأجل ذلك أصبح ركناً من أركان الإسلام الخمسة كما ثبت في السنة النبوية.