س: ما هو المعتقد الحق ؟ وأريد معرفة بعض المعتقدات الباطلة ؟
ج: الحمد لله
1. معلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنَّة أن الأعمال والأقوال إنما
تصح وتُقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة ، فإن كانت العقيدة غير صحيحة : بطل
ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال ، كما قال تعالى : ( وَمَن يَكْفُرْ
بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ ) المائدة/ 5 ، وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ
وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ ) الزمر/ 65 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
2. وقد دل كتاب الله المبين وسنَّة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة
والتسليم على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في : الإيمان بالله ، وملائكته ،
وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، فهذه الأمور الستة هي
أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله
محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرة جدّاً ، فمن ذلك قول الله
سبحانه : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )
البقرة/ 177 ، وقوله سبحانه : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ
مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ )
الآية البقرة/ 285 ، وقوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى
رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ
بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) النساء/ 136 .
أما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرة جدّاً ، منها : الحديث
الصحيح المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله وعليه وسلم
عن الإيمان ، فقال له : الإيمان : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ،
ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره . الحديث ، وأخرجه الشيخان
من حديث أبي هريرة .
وهذه الأصول الستة يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه ، وفي أمر المعاد ، وغير ذلك من أمور الغيب .
3. الإيمان بالله سبحانه : ويشمل الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة
دون كل ما سواه لكونه خالق العباد ، والمحسن إليهم ، والقائم بأرزاقهم
والعالم بسرِّهم وعلانيتهم ، والقادر على إثابة مطيعهم ، وعقاب عاصيهم،
ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم .
وحقيقة هذه العبادة : هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبّد العباد به ، من
دعاء ، وخوف ، ورجاء ، وصلاة ، وصوم ، وذبح ، ونذر ، وغير ذلك من أنواع
العبادة ، على وجه الخضوع له ، والرغبة ، والرهبة ، مع كمال الحب له
سبحانه ، والذل لعظمته .
ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده ، وفرضه
عليهم ، من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله
، وأن محمَّداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ،
وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً ، وغير ذلك من الفرائض التي
جاء بها الشرع المطهر .
وأهم هذه الأركان وأعظمها : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول
الله ، فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي إخلاص العبادة لله وحده ، ونفيها
عما سواه ، وهذا هو معنـى لا إله إلا الله ، فإن معناها : لا معبـود بحـق
إلا الله ، فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غيـر ذلك :
فكله معبود بالباطل ، والمعبود بالحق هو الله وحده كما قال سبحانه : (
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ
هُوَ الْبَاطِلُ ) الحج/ 62 .
ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بأسمائه الحسنى ، وصفاته العليا
الواردة في كتابه العزيز ، والثابتة عن رسوله الأمين ، من غير تحريف ، ولا
تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، بل يجب أن تُمرَّ كما جاءت به ، بلا كيف
، مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل
، يجب وصفه بها على الوجه اللائق به ، من غير أن يشابه خلقه في شيء من
صفاته ، كما قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ ) الشورى/ 11 .
4. الإيمان بالملائكة : ويتضمن الإيمان بهم إجمالاً ، وتفصيلاً ، فيؤمن
المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته ، ووصفهم بأنهم عبَاد مُكرَمون ، لا
يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ
خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء/ 28 .
وهم أصناف كثيرة ، منهم الموكلون بحمل العرش ، ومنهم خزنة الجنَّة والنَّار ، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد .
ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم : كجبريل ، وميكائيل ،
ومالك خازن النار ، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور ، وقد جاء ذكره في
أحاديث صحيحة ، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ( خُلقت الملائكة من نور ، وخُلق الجان من مارج من
نار ، وخُلق آدم مما وصف لكم ) أخرجه مسلم في صحيحه .
5. الإيمان بالكتب : يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه قد أنزل كتباً
على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه ، كما قال تعالى : ( لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الآية الحديد/ 25 .
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها ، كالتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والقرآن .
والقرآن الكريم هو أفضلها ، وخاتمها ، وهو المهيمن عليها ، والمصدق لها ،
وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه ، وتحكيمه ، مع ما صحت به السنَّة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله سبحانه بعث رسوله محمد صلى الله
عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين ، وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به
بينهم وجعله شفاءً لما في الصدور ، وتبيانا لكل شيء ، وهدى ورحمة للمؤمنين
، كما قال تعالى : ( وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ
فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأنعام/ 155 .
6. الإيمان بالرسل : يجب الإيمان بالرسل إجمالاً ، وتفصيلاً ، فنؤمن أن
الله سبحانه أَرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق ،
فمن أجابهم : فاز بالسعادة ، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة ، وخاتمهم
وأفضلهم هو نبينا محمــد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله
سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ
اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) النحل/ 36 .
ومَن سمَّى الله منهم أو ثبت عن رسول الله تسميته آمنَّا به على سبيل
التفصيل والتعيين ، كنوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، وغيرهم ، عليهم وعلى
نبينا أفضل الصلاة ، وأزكى التسليم .
7. الإيمان باليوم الآخر ، وأما الإيمان باليوم الآخر فيدخل فيه الإيمان
بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يكون بعد الموت ، كفتنة
القبر ، وعذابه ، ونعيمه ، وما يكون يوم القيامة من الأهوال ، والشدائد ،
والصراط ، والميزان ، والحساب ، والجزاء ، ونشر الصحف بين الناس ، فآخذٌ
كتابه بيمينه ، وآخذٌ كتابه بشماله أو من وراء ظهره ، ويدخل في ذلك أيضاً
: الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان
بالجنَّة والنَّار ، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه ، وتكليمه إياهم ، وغير
ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فيجب الإيمان بذلك كله ، وتصديقه على الوجه الذي بيَّنه الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم .
8. الإيمان بالقدر ، وأما الإيمان بالقدَر فيتضمن الإيمان بأمور أربعة :
العلم ، والكتابة ، والخلق ، والمشيئة ، وينظر تفصيلها في أجوبة الأسئلة :
( 34732 ) و ( 49004 ) و ( 20806 ) .
9. ويدخل في الإيمان بالله : اعتقاد أن الإيمان قول وعمل ، يزيد بالطاعة ،
وينقص بالمعصية ، وأنه لا يجوز تكفير أحد من المسلمين بشيء من المعاصي
التي دون الشرك والكفر ، كالزنا ، والسرقة ، وأكل الربا ، وشرب المسكرات ،
وعقوق الوالدين ، وغير ذلك من الكبائر ، ما لم يستحل ذلك ؛ لقول الله : (
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَن يَشَاءُ ) النساء/ 48 ، وما ثبت في الأحاديث المتواترة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن الله يُخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من
خردل من إيمان .
10. ومن الإيمان بالله : الحب في الله ، والبغض في الله ، والموالاة في
الله ، والمعاداة في الله ، فيحب المؤمنُ المؤمنينَ ويواليهم ، ويبغض
الكفار ويعاديهم .
وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأهل السنة والجماعة يحبونهم ، ويوالونهم ، ويعتقدون أنهم خير الناس بعد
الأنبياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ، ثم الذين
يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) متفق على صحته .
ويعتقدون أن أفضلهم : أبو بكر الصدِّيق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو
النورين ، ثم علي المرتضى ، رضي الله عنهم أجمعين ، وبعدهم بقية العشرة
المبشرين بالجنَّة ، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، ويمسكون عما
شجر بين الصحابة ، ويعتقدون أنهم في ذلك مجتهدون ، من أصاب فله أجران ،
ومن أخطأ فله أجر ، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين
به ، ويتولونهم ، ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات
المؤمنين ، ويترضون عنهم جميعاً .
ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، ويسبونهم ، ويغلون في أهل البيت ، ويرفعونهم فوق منزلتهم التي
أنزلهم الله عز وجل إياها ، كما يتبرؤون من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل
البيت بقول أو عمل .
11. وجميع ما ذكرناه هو العقيدة الصحيحة التي بعث الله بها رسوله محمَّداً
صلى الله عليه وسلم ، وهي عقيدة الفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة ،
التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي على
الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه ) ، وقال صلى
الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى
على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في
النار إلا واحدة ، فقال الصحابة : من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على
مثل ما أنا عليه وأصحابي ) ، وهي العقيدة التي يجب التمسك بها ،
والاستقامة عليها ، والحذر مما خالفها .
12. وأما المنحرفون عن هذه العقيدة ، والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة
؛ فمنهم عبَّاد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار
والأحجار وغيرها ، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل ، بل خالفوهم ،
وعاندوهم ، كما فعلت قريش وأصناف العرب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
، وكانوا يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات ، وشفاء المرضى ، والنصر على
الأعداء ، ويذبحون لهم ، وينذرون لهم ، فلما أنكر عليهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذلك ، وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده : استغربوا ذلك
وأنكروه ، وقالوا : ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) ص/ 5 .
ثم تغيرت الأحوال ، وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلى دين
الجاهلية ، بالغلو في الأنبياء ، والأولياء ، ودعائهم ، والاستغاثة بهم ،
وغير ذلك من أنوع الشرك ، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله كما عرف معناها
كفار العرب ، ولم يزل هذا الشرك يتفشى في الناس إلى عصرنا هذا بسبب غلبة
الجهل ، وبُعد العهد بعصر النبوة .
13. ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة ، والمخالفة لما جاءت به
الرسل عليهم الصلاة والسلام : ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع "
ماركس " ، و " لينين " ، وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر ، سواء سموا ذلك
" اشتراكية " ، أو " شيوعية " ، أو " بعثية " ، أو غير ذلك من الأسماء ،
فإن من أصول هؤلاء الملاحدة : أنه لا إله ، والحياة مادة ، ومن أصولهم :
إنكار المعاد ، وإنكار الجنَّة والنَّار ، والكفر بالأديان كلها ، ومن نظر
في كتبهم ودرس ما هم عليه : علَم ذلك يقيناً ، ولا ريب أن هذه العقيدة
مضادة لجميع الأديان السماوية ، ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا
والآخرة .
14. ومن العقائد المضادة للحق : ما يعتقده بعض الباطنية ، وبعض المتصوفة
من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير ، ويتصرفون في
شؤون العالم ، ويسمونهم بالأقطاب ، والأوتاد ، والأغواث ، وغير ذلك من
الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم ، وهذا من أقبح الشرك في الربوبية ، وهو
شرٌّ من شرك جاهلية العرب ؛ لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية ، وإنما
أشركوا في العبادة ، وكان شركهم في حال الرخاء ، أما في حال الشدة :
فيخلصون لله العبادة ، كما قال سبحانه : ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى
الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) العنكبوت/ 65 ، أما الربوبية : فكانوا
معترفين بها لله وحده ، كما قال سبحانه : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ
خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) الزخرف/ 87 ، وقال تعالى : ( قُلْ مَن
يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ
والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ
فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ) يونس/ 31 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
15. ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات : عقائد
أهل البدع ، من الجهمية ، والمعتزلة ، ومن سلك سبيلهم في نفي صفات الله عز
وجل ، وتعطيله سبحانه من صفات الكمال ، ووصفه عز وجل بصفة المعدومات ،
والجمادات ، والمستحيلات ، تعالى الله عن قولهم علوّاً كبيراً .
ويدخل في ذلك : مَن نفى بعض الصفات وأثبت بعضها ، كالأشاعرة ، فإنه يلزمهم
فيما أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه في الصفات التي نفوها وتأولوا
أدلتها ، فخالفوا بذلك الأدلة السمعية ، والعقلية ، وتناقضوا في ذلك
تناقضاً بيِّناً .
باختصار من رسالة " العقيدة الصحيحة وما يضادها " للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب
ج: الحمد لله
1. معلوم بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنَّة أن الأعمال والأقوال إنما
تصح وتُقبل إذا صدرت عن عقيدة صحيحة ، فإن كانت العقيدة غير صحيحة : بطل
ما يتفرع عنها من أعمال وأقوال ، كما قال تعالى : ( وَمَن يَكْفُرْ
بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ
الْخَاسِرِينَ ) المائدة/ 5 ، وقال تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ
وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ
عَمَلُكَ ) الزمر/ 65 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
2. وقد دل كتاب الله المبين وسنَّة رسوله الأمين عليه من ربه أفضل الصلاة
والتسليم على أن العقيدة الصحيحة تتلخص في : الإيمان بالله ، وملائكته ،
وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر ، وبالقدر خيره وشره ، فهذه الأمور الستة هي
أصول العقيدة الصحيحة التي نزل بها كتاب الله العزيز، وبعث الله بها رسوله
محمداً صلى الله عليه وسلم .
وأدلة هذه الأصول الستة في الكتاب والسنة كثيرة جدّاً ، فمن ذلك قول الله
سبحانه : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ
الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ )
البقرة/ 177 ، وقوله سبحانه : ( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ
مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ )
الآية البقرة/ 285 ، وقوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى
رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ
بِاللّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ
فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً ) النساء/ 136 .
أما الأحاديث الصحيحة الدالة على هذه الأصول فكثيرة جدّاً ، منها : الحديث
الصحيح المشهور الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث أمير المؤمنين عمر بن
الخطاب رضي الله عنه أن جبريل عليه السلام سأل النبي صلى الله وعليه وسلم
عن الإيمان ، فقال له : الإيمان : أن تؤمن بالله ، وملائكته ، وكتبه ،
ورسله ، واليوم الآخر ، وتؤمن بالقدر خيره وشره . الحديث ، وأخرجه الشيخان
من حديث أبي هريرة .
وهذه الأصول الستة يتفرع عنها جميع ما يجب على المسلم اعتقاده في حق الله سبحانه ، وفي أمر المعاد ، وغير ذلك من أمور الغيب .
3. الإيمان بالله سبحانه : ويشمل الإيمان بأنه الإله الحق المستحق للعبادة
دون كل ما سواه لكونه خالق العباد ، والمحسن إليهم ، والقائم بأرزاقهم
والعالم بسرِّهم وعلانيتهم ، والقادر على إثابة مطيعهم ، وعقاب عاصيهم،
ولهذه العبادة خلق الله الثقلين وأمرهم .
وحقيقة هذه العبادة : هي إفراد الله سبحانه بجميع ما تعبّد العباد به ، من
دعاء ، وخوف ، ورجاء ، وصلاة ، وصوم ، وذبح ، ونذر ، وغير ذلك من أنواع
العبادة ، على وجه الخضوع له ، والرغبة ، والرهبة ، مع كمال الحب له
سبحانه ، والذل لعظمته .
ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بجميع ما أوجبه على عباده ، وفرضه
عليهم ، من أركان الإسلام الخمسة الظاهرة وهي : شهادة أن لا إله إلا الله
، وأن محمَّداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ،
وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً ، وغير ذلك من الفرائض التي
جاء بها الشرع المطهر .
وأهم هذه الأركان وأعظمها : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمَّداً رسول
الله ، فشهادة أن لا إله إلا الله تقتضي إخلاص العبادة لله وحده ، ونفيها
عما سواه ، وهذا هو معنـى لا إله إلا الله ، فإن معناها : لا معبـود بحـق
إلا الله ، فكل ما عبد من دون الله من بشر أو ملك أو جني أو غيـر ذلك :
فكله معبود بالباطل ، والمعبود بالحق هو الله وحده كما قال سبحانه : (
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ
هُوَ الْبَاطِلُ ) الحج/ 62 .
ومن الإيمان بالله أيضاً : الإيمان بأسمائه الحسنى ، وصفاته العليا
الواردة في كتابه العزيز ، والثابتة عن رسوله الأمين ، من غير تحريف ، ولا
تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، بل يجب أن تُمرَّ كما جاءت به ، بلا كيف
، مع الإيمان بما دلت عليه من المعاني العظيمة التي هي أوصاف الله عز وجل
، يجب وصفه بها على الوجه اللائق به ، من غير أن يشابه خلقه في شيء من
صفاته ، كما قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ
البَصِيرُ ) الشورى/ 11 .
4. الإيمان بالملائكة : ويتضمن الإيمان بهم إجمالاً ، وتفصيلاً ، فيؤمن
المسلم بأن لله ملائكة خلقهم لطاعته ، ووصفهم بأنهم عبَاد مُكرَمون ، لا
يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ، ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ
وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ
خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء/ 28 .
وهم أصناف كثيرة ، منهم الموكلون بحمل العرش ، ومنهم خزنة الجنَّة والنَّار ، ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد .
ونؤمن على سبيل التفصيل بمن سمى الله ورسوله منهم : كجبريل ، وميكائيل ،
ومالك خازن النار ، وإسرافيل الموكل بالنفخ في الصور ، وقد جاء ذكره في
أحاديث صحيحة ، وقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال : ( خُلقت الملائكة من نور ، وخُلق الجان من مارج من
نار ، وخُلق آدم مما وصف لكم ) أخرجه مسلم في صحيحه .
5. الإيمان بالكتب : يجب الإيمان إجمالاً بأن الله سبحانه قد أنزل كتباً
على أنبيائه ورسله لبيان حقه والدعوة إليه ، كما قال تعالى : ( لَقَدْ
أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ
وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الآية الحديد/ 25 .
ونؤمن على سبيل التفصيل بما سمى الله منها ، كالتوراة ، والإنجيل ، والزبور ، والقرآن .
والقرآن الكريم هو أفضلها ، وخاتمها ، وهو المهيمن عليها ، والمصدق لها ،
وهو الذي يجب على جميع الأمة اتباعه ، وتحكيمه ، مع ما صحت به السنَّة عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الله سبحانه بعث رسوله محمد صلى الله
عليه وسلم رسولاً إلى جميع الثقلين ، وأنزل عليه هذا القرآن ليحكم به
بينهم وجعله شفاءً لما في الصدور ، وتبيانا لكل شيء ، وهدى ورحمة للمؤمنين
، كما قال تعالى : ( وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ
فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) الأنعام/ 155 .
6. الإيمان بالرسل : يجب الإيمان بالرسل إجمالاً ، وتفصيلاً ، فنؤمن أن
الله سبحانه أَرسل إلى عباده رسلاً منهم مبشرين ومنذرين ودعاة إلى الحق ،
فمن أجابهم : فاز بالسعادة ، ومن خالفهم باء بالخيبة والندامة ، وخاتمهم
وأفضلهم هو نبينا محمــد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، كما قال الله
سبحانه : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ
اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ ) النحل/ 36 .
ومَن سمَّى الله منهم أو ثبت عن رسول الله تسميته آمنَّا به على سبيل
التفصيل والتعيين ، كنوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، وغيرهم ، عليهم وعلى
نبينا أفضل الصلاة ، وأزكى التسليم .
7. الإيمان باليوم الآخر ، وأما الإيمان باليوم الآخر فيدخل فيه الإيمان
بكل ما أخبر الله به ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يكون بعد الموت ، كفتنة
القبر ، وعذابه ، ونعيمه ، وما يكون يوم القيامة من الأهوال ، والشدائد ،
والصراط ، والميزان ، والحساب ، والجزاء ، ونشر الصحف بين الناس ، فآخذٌ
كتابه بيمينه ، وآخذٌ كتابه بشماله أو من وراء ظهره ، ويدخل في ذلك أيضاً
: الإيمان بالحوض المورود لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، والإيمان
بالجنَّة والنَّار ، ورؤية المؤمنين لربهم سبحانه ، وتكليمه إياهم ، وغير
ذلك مما جاء في القرآن الكريم والسنَّة الصحيحة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فيجب الإيمان بذلك كله ، وتصديقه على الوجه الذي بيَّنه الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم .
8. الإيمان بالقدر ، وأما الإيمان بالقدَر فيتضمن الإيمان بأمور أربعة :
العلم ، والكتابة ، والخلق ، والمشيئة ، وينظر تفصيلها في أجوبة الأسئلة :
( 34732 ) و ( 49004 ) و ( 20806 ) .
9. ويدخل في الإيمان بالله : اعتقاد أن الإيمان قول وعمل ، يزيد بالطاعة ،
وينقص بالمعصية ، وأنه لا يجوز تكفير أحد من المسلمين بشيء من المعاصي
التي دون الشرك والكفر ، كالزنا ، والسرقة ، وأكل الربا ، وشرب المسكرات ،
وعقوق الوالدين ، وغير ذلك من الكبائر ، ما لم يستحل ذلك ؛ لقول الله : (
إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ
لِمَن يَشَاءُ ) النساء/ 48 ، وما ثبت في الأحاديث المتواترة عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن الله يُخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من
خردل من إيمان .
10. ومن الإيمان بالله : الحب في الله ، والبغض في الله ، والموالاة في
الله ، والمعاداة في الله ، فيحب المؤمنُ المؤمنينَ ويواليهم ، ويبغض
الكفار ويعاديهم .
وعلى رأس المؤمنين من هذه الأمة : أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فأهل السنة والجماعة يحبونهم ، ويوالونهم ، ويعتقدون أنهم خير الناس بعد
الأنبياء لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( خير الناس قرني ، ثم الذين
يلونهم ، ثم الذين يلونهم ) متفق على صحته .
ويعتقدون أن أفضلهم : أبو بكر الصدِّيق ، ثم عمر الفاروق ، ثم عثمان ذو
النورين ، ثم علي المرتضى ، رضي الله عنهم أجمعين ، وبعدهم بقية العشرة
المبشرين بالجنَّة ، ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، ويمسكون عما
شجر بين الصحابة ، ويعتقدون أنهم في ذلك مجتهدون ، من أصاب فله أجران ،
ومن أخطأ فله أجر ، ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين
به ، ويتولونهم ، ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات
المؤمنين ، ويترضون عنهم جميعاً .
ويتبرؤون من طريقة الروافض الذين يبغضون أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، ويسبونهم ، ويغلون في أهل البيت ، ويرفعونهم فوق منزلتهم التي
أنزلهم الله عز وجل إياها ، كما يتبرؤون من طريقة النواصب الذين يؤذون أهل
البيت بقول أو عمل .
11. وجميع ما ذكرناه هو العقيدة الصحيحة التي بعث الله بها رسوله محمَّداً
صلى الله عليه وسلم ، وهي عقيدة الفرقة الناجية ، أهل السنة والجماعة ،
التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تزال طائفة من أمتي على
الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله سبحانه ) ، وقال صلى
الله عليه وسلم : ( افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى
على اثنتين وسبعين فرقة ، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في
النار إلا واحدة ، فقال الصحابة : من هي يا رسول الله ؟ قال : من كان على
مثل ما أنا عليه وأصحابي ) ، وهي العقيدة التي يجب التمسك بها ،
والاستقامة عليها ، والحذر مما خالفها .
12. وأما المنحرفون عن هذه العقيدة ، والسائرون على ضدها فهم أصناف كثيرة
؛ فمنهم عبَّاد الأصنام والأوثان والملائكة والأولياء والجن والأشجار
والأحجار وغيرها ، فهؤلاء لم يستجيبوا لدعوة الرسل ، بل خالفوهم ،
وعاندوهم ، كما فعلت قريش وأصناف العرب مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
، وكانوا يسألون معبوداتهم قضاء الحاجات ، وشفاء المرضى ، والنصر على
الأعداء ، ويذبحون لهم ، وينذرون لهم ، فلما أنكر عليهم رسول الله صلى
الله عليه وسلم ذلك ، وأمرهم بإخلاص العبادة لله وحده : استغربوا ذلك
وأنكروه ، وقالوا : ( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا
لَشَيْءٌ عُجَابٌ ) ص/ 5 .
ثم تغيرت الأحوال ، وغلب الجهل على أكثر الخلق حتى عاد الأكثرون إلى دين
الجاهلية ، بالغلو في الأنبياء ، والأولياء ، ودعائهم ، والاستغاثة بهم ،
وغير ذلك من أنوع الشرك ، ولم يعرفوا معنى لا إله إلا الله كما عرف معناها
كفار العرب ، ولم يزل هذا الشرك يتفشى في الناس إلى عصرنا هذا بسبب غلبة
الجهل ، وبُعد العهد بعصر النبوة .
13. ومن العقائد الكفرية المضادة للعقيدة الصحيحة ، والمخالفة لما جاءت به
الرسل عليهم الصلاة والسلام : ما يعتقده الملاحدة في هذا العصر من أتباع "
ماركس " ، و " لينين " ، وغيرهما من دعاة الإلحاد والكفر ، سواء سموا ذلك
" اشتراكية " ، أو " شيوعية " ، أو " بعثية " ، أو غير ذلك من الأسماء ،
فإن من أصول هؤلاء الملاحدة : أنه لا إله ، والحياة مادة ، ومن أصولهم :
إنكار المعاد ، وإنكار الجنَّة والنَّار ، والكفر بالأديان كلها ، ومن نظر
في كتبهم ودرس ما هم عليه : علَم ذلك يقيناً ، ولا ريب أن هذه العقيدة
مضادة لجميع الأديان السماوية ، ومفضية بأهلها إلى أسوأ العواقب في الدنيا
والآخرة .
14. ومن العقائد المضادة للحق : ما يعتقده بعض الباطنية ، وبعض المتصوفة
من أن بعض من يسمونهم بالأولياء يشاركون الله في التدبير ، ويتصرفون في
شؤون العالم ، ويسمونهم بالأقطاب ، والأوتاد ، والأغواث ، وغير ذلك من
الأسماء التي اخترعوها لآلهتهم ، وهذا من أقبح الشرك في الربوبية ، وهو
شرٌّ من شرك جاهلية العرب ؛ لأن كفار العرب لم يشركوا في الربوبية ، وإنما
أشركوا في العبادة ، وكان شركهم في حال الرخاء ، أما في حال الشدة :
فيخلصون لله العبادة ، كما قال سبحانه : ( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ
دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى
الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) العنكبوت/ 65 ، أما الربوبية : فكانوا
معترفين بها لله وحده ، كما قال سبحانه : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ
خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ) الزخرف/ 87 ، وقال تعالى : ( قُلْ مَن
يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ
والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ
فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ) يونس/ 31 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .
15. ومن العقائد المضادة للعقيدة الصحيحة في باب الأسماء والصفات : عقائد
أهل البدع ، من الجهمية ، والمعتزلة ، ومن سلك سبيلهم في نفي صفات الله عز
وجل ، وتعطيله سبحانه من صفات الكمال ، ووصفه عز وجل بصفة المعدومات ،
والجمادات ، والمستحيلات ، تعالى الله عن قولهم علوّاً كبيراً .
ويدخل في ذلك : مَن نفى بعض الصفات وأثبت بعضها ، كالأشاعرة ، فإنه يلزمهم
فيما أثبتوه من الصفات نظير ما فروا منه في الصفات التي نفوها وتأولوا
أدلتها ، فخالفوا بذلك الأدلة السمعية ، والعقلية ، وتناقضوا في ذلك
تناقضاً بيِّناً .
باختصار من رسالة " العقيدة الصحيحة وما يضادها " للشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
والله أعلم.
الإسلام سؤال وجواب