عبقرية محمد
الرئيس الصديق :
محمد الرئيس هو الصديق الأكبر لمرؤوسيه ، مع استطاعته أن يعتز بكل ذريعة من ذرائع السلطان . فهناك الحكم بسلطان الدنيا وهناك الحكم بسلطان الآخرة وهناك الحكم بسلطان الكفاءة والمهابة وكل اولئك كان لمحمد الحق الأول فيه : كان له من سلطان الدنيا كل ما للأمير المطلق اليدين في رعاياه ، وكان له من سلطان الآخرة كل ما للنبي الذي يعلم من الغيب ما ليس بعلم المحكومين ... وكان له من سلطان الكفاءة والمهابة ما يعترف بين اتباعه أكفا كفؤ وأوقر مهيب .
فكان أكثر رجل مشاورة للرجال ، وكان حب التابعين شرطاً عنده من شروط الإمامة في الحكم بل في العبادة . فالإمام المكروه لا ترضي له صلاة .
وجعل قضاء حوائج الناس أماناً من عذاب الله أو كما قال : ( إن الله تعالي عباداً اختصهم بحوائج الناس يفزع إليهم الناس في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله ) .
وكان يوصي بالضعفاء ويقول لصحبه : ( أبغوني الضعفاء فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ) ويذم الترفع علي الخدم والفقراء ( فما استكبر من أكل مع خادمه وركب الحمار بالأسواق واعتقل الشاة فحلبها ) .
لكنه مع الرحمة بالصغير لا ينسي حق الكبير : ( من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا ) .
إذ ليس الإنصاف حراماً علي الكبراء حلالا لمن صغر دون من كبر، فلكل حق ولكل إنصاف . وإنزال الناس منازلهم كما امر قومه هو خير شعار تستقيم عليه الحكومة ، وتنعكس أمور الأمم بانعكاسه .
وكان النبي الرئيس يعلم أن الرئاسة لجميع المرؤوسين وليست للموافقين منهم دون المخالفين ، فيأمر قومه أن ( اتقو دعوة المظلوم وإن كان كافراً فإنها ليس من دونها حجاب ) .
لقد كانت سنة الرئاسة عند محمد هي سنة الصداقة . فلو استغني حكم عن الشريعة لاستغني عنها حكم هذا الرئيس الذي جاء بالشريعة لجميع متبعيه .